قيس بن ذريح
عفا سرف من أهله فسراوع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
لعل لبيني أن يحم لقاؤها * ببعض البلاد إن ما حم واقع
بجزع من الوادي خلا عن أنيسه * عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا * بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقي لبيناك والمنى * تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه * ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع
وطار غراب البين وانشقت العصا * ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي * أحاذر من لبني فهل أنت واقع!
وإنك لو أبلغتها قليلك : اسلمي * طوت حزنا وارفض منها المدامع
أتبكي على لبني وأنت تركتها * وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شئ ندامة * إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه * مشت ولا ما فرق الله جامع
طمعت بلبني أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع
كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها * وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى * بلبني وصدت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى * أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبيني بهاجع * إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى * ضجيع الأسى فيها نكاس روادع
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا * لبيني ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبين تحت سقف يكنها * وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا * ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطاتحت رجليها بساطا وبعضه * أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن أمست بخير وإن يكن * بها الحدث العادي توعني الروائع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها * ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة * بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم * على كبدي منه كلوم صوادع
فواكبدي من شدة الشوق والأسى * وواكبدي إني إلى الله راجع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني * مخافة وشك البين والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم * لترجعني يوما إليك الرواجع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى * ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة * من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها * وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به * جوى خزق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى * بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره * وتهدنه في النائمين المضاجع
سواء فليلي من نهاري وإنما * تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى * لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها * شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك مودة * كما تثبتت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم * ألا كل أمر حم لابد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما * فؤاد وعين جفنها - الدهر - دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى * شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وما كل ما منتك نفسك خاليا * تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الظؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمه * وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها * وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال على الدهر من كل جانب * ودامت فلم تبرح على الفجائع
فمن كان محزونا غدا لفراقنا * فملآن فليبك لما هو واقع